نيك ريباترزون : عضو في فريق كتّاب المليون. كتبَ في مجلة رولينغ ستون، وذا باريس ريفيو، وذا أتلانتيك، وإسكواير، وكينيون ريفيو. من أحدث كتبه، مجموعة قصصية بعنوان " إيمبر دايز/ أيام الصوم والصلاة". يعيش في نيوجيرسي مع زوجته وطفلتيه التوأم. هنا مقالة مترجمة له.
----------------------------
لا تتحدث عن كتابك قبل نشره/ نيك ريباترزون
عندما كنتُ عاملاً في قسم الفلسفة بجامعة "روتجرز" كطالب دراسات عليا، أسدى إليّ أكاديمي مخضرم النصيحة الآتية: " لا تتحدث عن كتابك حتى يتمّ نشره". كنتُ حينها أعمل على كتابة روايتي الخاصة بي، شأني كَشأن الكثير من الخرّيجين في قسم اللغة الإنكليزية. وقد اقترحَ عليّ الرجل تلك المعلومة بينما كنتُ أعطيه درسًا خاصًّا في استخدام مايكروسوفت آوت لوك. كانت مهمّتي في ذلك الفصل آنذاك هي تعليم الفلاسفة المتشبّثين بآلاتهم الكاتبة كيفية استخدام حواسيبهم المكتبية (عام 2005).
كنتُ قد شرعتُ بإخباره أن مخطوطي عبارة عن رواية تاريخية تدور أحداثها في جنوب غرب أميركا، إلا أنّه رفع يده وطلب مني أن أكفّ عن الكلام. وقال:"إن أسوأ ما قد يقوم به الكاتب هو التحدّث عن عمله قبل إتمامه. ولَسوفَ تتحدّث عنهُ كفاية بعدَئذٍ". وأردفَ قائلاً: " ينسحبُ الأمر أيضًا على الدراسة الأكاديمية، ولو أنّه من المفترض نشر فصولها فرادى. إلا أن ذلك على ما يبدو شرٌّ لا بدّ منه. كان مصرًّا للغاية على أنه يتعيّن على الروائيّ ألّا يُفصحَ عن كتابه مالم يَمسّ الرفّ؛ قائلاً: " وإلّا، فإنّك تقضي عليه".
بعد ذلك بسنواتٍ عدّة، عندما قامت مجلة "إسكواير" بنشرِ قصّة لي، صرّحتُ في سيرتي الذّاتية المُرفقة: " يعملُ حاليًا على روايةٍ تقعُ أحداثها جنوبي فيرمونت". وكان ذلك صحيحًا بالفعل. فقد كنتُ منهمكًا حينذاك في كتابة الرّواية؛ بالمعنى الذي نكرّس فيه ساعات مديدة من حيواتنا في الكتب. كنتُ أدرّسُ خلال النهار، وفي المساء أَحضرُ برنامج ماجستير الفنون الجميلة، وأكتبُ في وقتٍ متأخر من الليل. كتبتُ، وسوّدتُ، ونقّحتُ، وطبعتُ، ومزّقتُ، ورميتُ في سلة المهملات، وأعدتُ كتابة الرواية من جديد.
لكنني أبدًا لم أنشر ذلك الكتاب. لم يزل قابعًا في حاسوب محمولٍ مهملٍ في قبوي، كَحالِ جميع الجهود المتروكة، ضمن مجلّد معنون ب "رواية فيرمونت". تشاطره تلكَ المقبرة الإلكترونية الرواية التاريخية والمئات من القصص القصيرة وبعض المجموعات الشّعرية.
وما بين عامي 2011 و2015 صدرَ لي سبعة كتب عن مطابع علمية متواضعة. وإنّه لمن الممتع أن تقول بأنه سيصدر لك كتاب عمّا قريب. ومن المثير حقًّا- أكثر من مجرّد إثبات للذّات- أن تشارك صور إمضاء عقد كتابكَ، وتصميم الغلاف، والبروفة المطبعية.
خلال تلك السّنوات، كان لديّ على الدوام كتاب جديد أعمل عليه. فأن يلوحَ في أفقكَ كتابٌ مُرتقب، هذا يعني أنك كاتبٌ حيّ.
والنّشرُ لا يعني الكتابة. فالكتابة هي ما تفعله في منتصف الليل. الكتابة، بحسبِ ويليام إتش. غاس، هي ما تقوم به لتسلية ألم ضرسك. الكتابة هي أن تلقي صوتكَ في عالمٍ يعجُّ بالصّخب. الكتابة هي فعلُ إيمان، وثورة، وأمل. أما مجال النّشر فهو عالمٌ خارج نفسك. وهو أمرٌ ضروري وجيّد من نواح عديدة؛ فالكُتّاب بحاجة للمحررين. المحرّرون يُعِينون الكتّاب على إحالةِ أفكارهم إلى قِصص؛ يُساعدونهم في إيصال أصواتهم إلى الجماهير.
ومع ذلك، فالنّشرُ مكان يجدرُ بالكُتّاب أن يتعلموا فيه التخلّي عن السيطرة، والتجمّل بالصّبر؛ إذ أنّه مكانٌ يكون فيه الفشلُ محتملًا.
النشر سباق مسافات طويلة وليس بالسباق القصير السريع. وعندما يصدر كتابك اصرخ به عاليًا وتغنّ به من على أسطح المنازل. كن فخورًا بما أنجزت. ولا تكترث إن ضجِر الناس من السماع عن كتابك، فلقد تصفّحتَ منشوراتهم اليومية عن الطعام والسياسة وبإمكانهم احتمال بعض الأخبار الأدبية.
ولكن لا تتكلّم عن كتابك إلى أن يتمّ نشره. لقد كان ذلك الأكاديمي العتيق على حقّ: "إنك إذن تجازف بامتصاص الحياة منه. إذا ما تحدثت عن كتابك، فإنه لن يعد ملكك بعد ذلك؛ سيغدو ملكًا للناس. وسوف يتحتّم عليك تقديم التفسيرات للأشخاص الجالسين بالقرب منك في القطار، ولأبناء العمومة البعيدين في اللقاءات العائلية، أو لزملائك في العمل. عندما تلامسُ روح كتابكَ الهواء الخارجي، فإنه سوف يتلاشى دون أن يتجسّد في مادة محسوسة".
وحتى ذلك الحين، اكتنزْ مخطوطاتك. واحتفظ بأسرارك لنفسك. وقم بحذف تغريداتك بخصوص عملك الجاري. كن مراوغًا في سيرتك الذاتية؛ مطواعًا لكتابك. وقاوم ما استطعت رغبتكَ الملّحة للهمس عن علاقتكَ أمام الآخرين. اِلزم كتابك، ويوما ما- عندما يحين الوقت المناسب- بإمكانك إخبار العالم عنه.
هل أنا أؤلف كتابًا الآن؟ هذا شيء بيني وبين مسودتي الافتراضية. لقد تعلّمتُ أن أُبقي فمي مغلقًا؛ مُكبًّا على عملي، والمُضِيّ به.
* ترجمة: عبير عبدالواحد
المصدر: مجلة الملايين
http://www.themillions.com/2017/06/dont-talk-about-your-book-until-its-published.html
----------------------------
لا تتحدث عن كتابك قبل نشره/ نيك ريباترزون
عندما كنتُ عاملاً في قسم الفلسفة بجامعة "روتجرز" كطالب دراسات عليا، أسدى إليّ أكاديمي مخضرم النصيحة الآتية: " لا تتحدث عن كتابك حتى يتمّ نشره". كنتُ حينها أعمل على كتابة روايتي الخاصة بي، شأني كَشأن الكثير من الخرّيجين في قسم اللغة الإنكليزية. وقد اقترحَ عليّ الرجل تلك المعلومة بينما كنتُ أعطيه درسًا خاصًّا في استخدام مايكروسوفت آوت لوك. كانت مهمّتي في ذلك الفصل آنذاك هي تعليم الفلاسفة المتشبّثين بآلاتهم الكاتبة كيفية استخدام حواسيبهم المكتبية (عام 2005).
كنتُ قد شرعتُ بإخباره أن مخطوطي عبارة عن رواية تاريخية تدور أحداثها في جنوب غرب أميركا، إلا أنّه رفع يده وطلب مني أن أكفّ عن الكلام. وقال:"إن أسوأ ما قد يقوم به الكاتب هو التحدّث عن عمله قبل إتمامه. ولَسوفَ تتحدّث عنهُ كفاية بعدَئذٍ". وأردفَ قائلاً: " ينسحبُ الأمر أيضًا على الدراسة الأكاديمية، ولو أنّه من المفترض نشر فصولها فرادى. إلا أن ذلك على ما يبدو شرٌّ لا بدّ منه. كان مصرًّا للغاية على أنه يتعيّن على الروائيّ ألّا يُفصحَ عن كتابه مالم يَمسّ الرفّ؛ قائلاً: " وإلّا، فإنّك تقضي عليه".
بعد ذلك بسنواتٍ عدّة، عندما قامت مجلة "إسكواير" بنشرِ قصّة لي، صرّحتُ في سيرتي الذّاتية المُرفقة: " يعملُ حاليًا على روايةٍ تقعُ أحداثها جنوبي فيرمونت". وكان ذلك صحيحًا بالفعل. فقد كنتُ منهمكًا حينذاك في كتابة الرّواية؛ بالمعنى الذي نكرّس فيه ساعات مديدة من حيواتنا في الكتب. كنتُ أدرّسُ خلال النهار، وفي المساء أَحضرُ برنامج ماجستير الفنون الجميلة، وأكتبُ في وقتٍ متأخر من الليل. كتبتُ، وسوّدتُ، ونقّحتُ، وطبعتُ، ومزّقتُ، ورميتُ في سلة المهملات، وأعدتُ كتابة الرواية من جديد.
لكنني أبدًا لم أنشر ذلك الكتاب. لم يزل قابعًا في حاسوب محمولٍ مهملٍ في قبوي، كَحالِ جميع الجهود المتروكة، ضمن مجلّد معنون ب "رواية فيرمونت". تشاطره تلكَ المقبرة الإلكترونية الرواية التاريخية والمئات من القصص القصيرة وبعض المجموعات الشّعرية.
وما بين عامي 2011 و2015 صدرَ لي سبعة كتب عن مطابع علمية متواضعة. وإنّه لمن الممتع أن تقول بأنه سيصدر لك كتاب عمّا قريب. ومن المثير حقًّا- أكثر من مجرّد إثبات للذّات- أن تشارك صور إمضاء عقد كتابكَ، وتصميم الغلاف، والبروفة المطبعية.
خلال تلك السّنوات، كان لديّ على الدوام كتاب جديد أعمل عليه. فأن يلوحَ في أفقكَ كتابٌ مُرتقب، هذا يعني أنك كاتبٌ حيّ.
والنّشرُ لا يعني الكتابة. فالكتابة هي ما تفعله في منتصف الليل. الكتابة، بحسبِ ويليام إتش. غاس، هي ما تقوم به لتسلية ألم ضرسك. الكتابة هي أن تلقي صوتكَ في عالمٍ يعجُّ بالصّخب. الكتابة هي فعلُ إيمان، وثورة، وأمل. أما مجال النّشر فهو عالمٌ خارج نفسك. وهو أمرٌ ضروري وجيّد من نواح عديدة؛ فالكُتّاب بحاجة للمحررين. المحرّرون يُعِينون الكتّاب على إحالةِ أفكارهم إلى قِصص؛ يُساعدونهم في إيصال أصواتهم إلى الجماهير.
ومع ذلك، فالنّشرُ مكان يجدرُ بالكُتّاب أن يتعلموا فيه التخلّي عن السيطرة، والتجمّل بالصّبر؛ إذ أنّه مكانٌ يكون فيه الفشلُ محتملًا.
النشر سباق مسافات طويلة وليس بالسباق القصير السريع. وعندما يصدر كتابك اصرخ به عاليًا وتغنّ به من على أسطح المنازل. كن فخورًا بما أنجزت. ولا تكترث إن ضجِر الناس من السماع عن كتابك، فلقد تصفّحتَ منشوراتهم اليومية عن الطعام والسياسة وبإمكانهم احتمال بعض الأخبار الأدبية.
ولكن لا تتكلّم عن كتابك إلى أن يتمّ نشره. لقد كان ذلك الأكاديمي العتيق على حقّ: "إنك إذن تجازف بامتصاص الحياة منه. إذا ما تحدثت عن كتابك، فإنه لن يعد ملكك بعد ذلك؛ سيغدو ملكًا للناس. وسوف يتحتّم عليك تقديم التفسيرات للأشخاص الجالسين بالقرب منك في القطار، ولأبناء العمومة البعيدين في اللقاءات العائلية، أو لزملائك في العمل. عندما تلامسُ روح كتابكَ الهواء الخارجي، فإنه سوف يتلاشى دون أن يتجسّد في مادة محسوسة".
وحتى ذلك الحين، اكتنزْ مخطوطاتك. واحتفظ بأسرارك لنفسك. وقم بحذف تغريداتك بخصوص عملك الجاري. كن مراوغًا في سيرتك الذاتية؛ مطواعًا لكتابك. وقاوم ما استطعت رغبتكَ الملّحة للهمس عن علاقتكَ أمام الآخرين. اِلزم كتابك، ويوما ما- عندما يحين الوقت المناسب- بإمكانك إخبار العالم عنه.
هل أنا أؤلف كتابًا الآن؟ هذا شيء بيني وبين مسودتي الافتراضية. لقد تعلّمتُ أن أُبقي فمي مغلقًا؛ مُكبًّا على عملي، والمُضِيّ به.
* ترجمة: عبير عبدالواحد
المصدر: مجلة الملايين
http://www.themillions.com/2017/06/dont-talk-about-your-book-until-its-published.html