كيف يعودُ الماضي
مثلما يزحفُ الظلُّ على حجرٍ
شيئًا فشيئًا
تَغشى الأسماءُ الأشياء..
مثلما يدخلُ الإنسان العالم
عبر اللغة..
كالطفل يتعلَّمُ النطق
ثمَّ يُسمِّي الأشياء كلها،
الزهرة مثلًا.
نبتة "الكوبيَّة" المنسيَّة
تُزهِرُ بلا انقطاع
عامًا بعد عام
كلُّ زهرة تَتفتَّحُ لازمةً موسيقية زرقاء؛
مثلما تتجمّعُ مقاطع نداءات الطيور
في الأشجار
تكرِّرُ كلمةً واحدة،
"ينسى".
كالتوقيع السَّاطع لطائرٍ ميت
بعد أيام مِن دَفنك له
ريشة حمراء وحيدة
على زجاج النافذة
في منتصف انعكاسك.

ناتاشا تريثيوي مع والديها غولدوين وإيريك (وهو شاعرٌ أيضًا)، في ميسيسيبي عام 1966، انفصل الزوجان بعد سبع سنوات من تاريخ الصورة.
الأسطورة
كنتُ
نائمة بينما كنتِ تحتضرين
كأنكِ انزلقتِ عبر شقٍّ أو فراغٍ
أصنعهُ بين نومي ويقظتي
الإيربوس*، ذاك العالم ما بين الأحياء والأموات،
الذي أُبقيكِ فيه
وأنا ما زلتُ أحاول ألا أترككِ. ستموتين من جديد
غدًا،
لكنكِ في أحلامي حيَّة. لذا أحاول أن أحملكِ
معي إلى الصباح. مثقلةً بالنوم أستدير
أفتحُ عينيَّ، فلا أجدك تتبعينني.
مرّة بعد مرّة، هذا التخلِّي الذي لا ينتهي.
مرّة
بعد مرّة هذا التخلِّي المستمرّ
أفتحُ عينيَّ فلا أجدكِ تتبعينني.
تعودينَ إلى الصباح. مثقلةً بالنوم، أستدير.
لكنك في الأحلام حية. لذا أحاول أن أحملك،
ألا أتركك. ستموتين من جديد غدًا.
الـإيربوس الذي أُبقيكِ فيه. وأنا ما زلتُ أحاولُ،
أصنعهُ بين نومي ويقظتي.
كأنك انزلقتِ عبر شقٍّ، أو فراغ..
كنتُ نائمة بينما كنت تحتضرين.
____
* إيربوس:
في الميثولوجيا الإغريقية Erebus هو إله الظلام، كما
ترمز الكلمة أيضا إلى منطقة مظلمة في العالم السفلي تمر عبرها الأرواح في طريقها
إلى هاديس، عالم الموتى.
تنوير
ثَمّة دومًا المزيد لنعرفهُ
ما يتبقى عند حافة الفكر
في انتظار لحظة إشراق..
كما في هذا الكتاب المستعمل
الممتلئُ بالشروحات التي تقتحمُ الهوامش
بخطوطٍ رقيقةٍ من القلم الرصاص
وكأنّ كاتب هذه الردود الصغيرة
لم يُرِد أن يتركها للأبد
بل أراد محوَ
أثر هذا التفاعل السري.
ها
هنا جملة مُسَطَّرة
وهناك نجمة وحيدة على الصفحة
كما في سماء ليلةٍ غائمةٍ ملبّدة بالغيوم والضباب،
حيثُ لا يظهرُ فيها إلا الأشدُّ توهّجًا
شرارةٌ صغيرةٌ أتتبعها
أفكّ شيفرتها، أحاول أن أقرأ فيها
اتجاهَ ذهنٍ منفردٍ،
خطرَ لهُ رسمَ سهمٍ متعرّج بالرصاص.
إنها صاعقة برق
حيثما ضَربتْ.
أعيدُ قراءة السَّطر مرة بعد مرة
لعلّي أتبين النيران الصغيرة التي أَشعلَها
لهيبُ فكرةٍ يلعقُ الصفحة..
كيف يتأجَّج أوار المعرفة!
وما بعد علامة التعجب، تلك الموافقة الرقيقة
زاوية الدهشة
تنبثقُ الأسئلة.. كلمة: لماذا؟
كثيرٌ
مما لم يُقَل
بين الكلمات المطبوعة
والخربشات المتردّدة
بين ما قيلَ وما لم يُقَل
فراغٌ أبيض يؤطِّرُ الحكاية
مثلما يفلتُ منا الماضي غير المكتوب
كثيرٌ
من المعنى يكمنُ في الإيحاء
في الأثر الباقي من تراكيب الجمل المُحكَمة
يظلُّ حاضرًا أبدًا
يطوفُ بالهوامش التي لا تجرؤ الكلمات
برغم سطوة خطوطها السوداء
أن تتجاوزها
حتى وهي تنهضُ لتلقانا
تبقى الصفحة البيضاء تحتها
صامتةً، متَّقدةً، مُترقّبة.
* نصوص: ناتاشا تريثيوي
*ترجمة: عبير عبد الواحد
* ناتاشا تريثيوي (1966): شاعرة وكاتبة أمريكية حائزة على لَقب «شاعرة البلاط الأمريكي»، ولَقب «شاعرة الميسيسيبي». وهي مؤلِّفة خمس مجموعات شِعرية، بالإضافة إلى كتاب إبداعي غير خيالي. في عام 2007 حازت جائزة البوليتزر عن مجموعتها الشِّعرية «الحارس الأصلي». كما نالت جائزة «أنيسفيلد-وولف للكتاب» عام 2021 عن كتابها «ميموريال درايڤ: مُذَكِّرات ابنة» الذي صدرَ بالعربية عن دار تشكيل عام 2025 بترجمة عبير عبد الواحد. وقد حَصَدت تريثيوي أيضًا كثيرًا من الجوائز المرموقة في الشِّعر من بينها زمالة من «مؤسسة جون سايمون غوغنهايم التذكارية»، وجائزة «امرأة العام في جورجيا» من قِبل لجنة جورجيا المعنية بالمرأة. و«زمالة أكاديمية الشعراء الأمريكيين». وجائزة «هاينز» في الفنون والعلوم الإنسانية. تَشغلُ تريثيوي حاليًّا منصب أستاذة اللغة الإنكليزية في مجلس الأمناء في جامعة نورث ويسترن.
ما أعذب مخيلتها وما أجمل احساسها ، كتير حبيتها، اختيارك لصورها وللقصائد بيخترق الروح يا عبير بلا استئذان، الله يسلم الإيدين اللي أجازت لنا معاينة هذا الجمال، الترجمة عمل عظيم يا عبير ربي يديمك فيه ويديمك علينا ❤️
ReplyDelete