معين بسيسو - القصيدة - كاملة - سفر سفر
سَفَرٌ
سَفَرْ
موجٌ يُتَرْجِمُني إلى كلِّ اللّغاتِ ويَنكسِر
ْموجاً على كلِّ اللّغاتِ وانْكسِر
ْوَتَراً وَتَرْ
سَفَرٌ سَفَر
ْسُفنٌ كلابُ البحرِ أشرعةُ السُّفُنِ
وطنٌ يُفتِّشُ عَنْ وطنْ
زَمَنٌ زَمَنْ؟
الهُدْهُدُ المخْصِيُّ كاتِبُهُ وحاجِبُهُ ذُبابة
زمنٌ تكون به وحيداً كالفراشة في سحابة
ياَ من يعلّمني القراءة والكتابة
ياَ من يُسمِّنُني بأشرعتي وأجنحتي لسكينِ الرّقابة
تحيا الكتابهْ تحيا الرّقابة
يحيا على فميَ الحجرْ
سَفَرٌ سَفَرْ..
سَفَرْ
موجٌ يُتَرْجِمُني إلى كلِّ اللّغاتِ ويَنكسِر
ْموجاً على كلِّ اللّغاتِ وانْكسِر
ْوَتَراً وَتَرْ
سَفَرٌ سَفَر
ْسُفنٌ كلابُ البحرِ أشرعةُ السُّفُنِ
وطنٌ يُفتِّشُ عَنْ وطنْ
زَمَنٌ زَمَنْ؟
الهُدْهُدُ المخْصِيُّ كاتِبُهُ وحاجِبُهُ ذُبابة
زمنٌ تكون به وحيداً كالفراشة في سحابة
ياَ من يعلّمني القراءة والكتابة
ياَ من يُسمِّنُني بأشرعتي وأجنحتي لسكينِ الرّقابة
تحيا الكتابهْ تحيا الرّقابة
يحيا على فميَ الحجرْ
سَفَرٌ سَفَرْ..
***
مَطَرٌ على الشبّاكِ في لون البنفسجِ والخُزامى
مَطَرٌ على المرآة في لونِ الدّوالي
والنّدامى
مَطَرٌ على البحرِ المسيّجِ زبدٌ وعوسجْ
موجٌ يُعبّىءُ بالنّوارسِ لي المُسدّسِ
طلْقةٌ في القلْبِ نوْرسْ
يَا يَا زمانَ الماءِ سكّينٌ هو القنديلَ
سكّينٌ إذا اشْتعلَ الفتيلُ
دَمِي يسيلْ
جبريلٌ يَا جبريلُ يَا جبريلْ
لا وطنٌ ولا تنزيلٌ
مَطَرٌ على الشبّاكِ في لون البنفسجِ والخُزامى
مَطَرٌ على المرآة في لونِ الدّوالي
والنّدامى
مَطَرٌ على البحرِ المسيّجِ زبدٌ وعوسجْ
موجٌ يُعبّىءُ بالنّوارسِ لي المُسدّسِ
طلْقةٌ في القلْبِ نوْرسْ
يَا يَا زمانَ الماءِ سكّينٌ هو القنديلَ
سكّينٌ إذا اشْتعلَ الفتيلُ
دَمِي يسيلْ
جبريلٌ يَا جبريلُ يَا جبريلْ
لا وطنٌ ولا تنزيلٌ
***
شجرٌ على الأمواجِ أشرعة الرّحيلْ
شجرٌ على الشبّاكِ يفتحههُ ويدخل في دمي
شجراً ويخرجُ من دمي شجراً شجرْ
ظلٌّ على الأمواجِ
ساعة حائط راحت تدق الموجَ في قلبي إبرْ
اللّيلُ مُرْ الحبرُ مُرْ اللّيلُ قرّْ
الرّيحُ صرّْ أصابعُ الكفّينِ
طيْرْ النّجمُ ذئبْ البحرُ كلْبْ
الشّمسُ نحلهْ دارتْ ودارتْ فوق رأسِي
تطمئِنُّ وتبتعِدْ
زبدٌ زبدْ
تفاحةٌ مثقوبة بفراشةٍ
وفراشةٌ مثقوبة برصاصةٍ
ورصاصة مثقوبة بجرادةٍ
حطّت على كفّي وأضناها السَفَرْ
سَفَرٌ سَفَرْ
البرقٌ شوكٌ في يديَّ
الرّعدُ عُشْبْ
غَزالةُ الأمطارِ تركض في المرايا المغلقهْ
يَا كمْ رضَعْتُ من المرايا
وانْكسرْتُ على المرايا
وانفجرتُ على المرايا
بُرْعُمًا في مِشْنَقَهْ
هذا الدّخانُ يفيضُ ملءَ يَديْكِ
ليس سوى حليبِ المحرقهْ
فخُذي من الطّاحون ما تعطيهِ رملاً أو ضباباً
الآن كيفَ ترى لأرضكَ؟
كلّما زدّتَ اقترَاباَ
كلّما زدّتَ اغترابا؟
الآن كيفَ تَرَى لِنَجْمِكَ
كُلَّما زادَ ابْتِعَاداَ
كلّما زدْتَ امتداداَ
موجةٌ أُخرى وساقِيَّتي تدورُ
وفي دمي تمشي يدايْ
أمشي تُخبِّئني يدايْ
أمشي وتسبقني يدايْ
أمشي وتتبعَنْي يدايْ
أمشي وتكتبني يدايْ
أمشي وتقرأني يدايْ
أمشي وتذبحني يدايْ
فَيَا يديَّ ويَا يديْ
وأظلّ أصرُخُ ياَ يديَّ ويا أنا
صارَ الشِّراعُ قناعَ وجْهِي من أناَ؟
القَرْمَطِيُّ؟ البَرْمَكِيُّ؟ القُرْطُبِيُّ؟ اللَّيْلَكِيُّ؟
الزئبقي؟ الزِّنْبَقِيُّ؟
الدَّائِرِيُّ؟ اللَّوْلَبِيُّ؟ الأمْرِيكِيُّ؟ السُّوفْيَتِيُّ؟
أظلُّ أصْرُخُ والشِّراعُ قناعُ وجهي من أناَ؟
طارت أنا حطّتْ أنا
طارَ الحجلْ حطَّ الحجلْ
طارتْ نعمْ حطّتْ نعمْ
لا. لا. لا. لا لا. نعمْ نعمْ. لا لا.
نعمْ طارَ الحجلْ حطَّ الحجلْ
سَفَرٌ سَفَرْ..
* * *
شجرٌ على الأمواجِ أشرعة الرّحيلْ
شجرٌ على الشبّاكِ يفتحههُ ويدخل في دمي
شجراً ويخرجُ من دمي شجراً شجرْ
ظلٌّ على الأمواجِ
ساعة حائط راحت تدق الموجَ في قلبي إبرْ
اللّيلُ مُرْ الحبرُ مُرْ اللّيلُ قرّْ
الرّيحُ صرّْ أصابعُ الكفّينِ
طيْرْ النّجمُ ذئبْ البحرُ كلْبْ
الشّمسُ نحلهْ دارتْ ودارتْ فوق رأسِي
تطمئِنُّ وتبتعِدْ
زبدٌ زبدْ
تفاحةٌ مثقوبة بفراشةٍ
وفراشةٌ مثقوبة برصاصةٍ
ورصاصة مثقوبة بجرادةٍ
حطّت على كفّي وأضناها السَفَرْ
سَفَرٌ سَفَرْ
البرقٌ شوكٌ في يديَّ
الرّعدُ عُشْبْ
غَزالةُ الأمطارِ تركض في المرايا المغلقهْ
يَا كمْ رضَعْتُ من المرايا
وانْكسرْتُ على المرايا
وانفجرتُ على المرايا
بُرْعُمًا في مِشْنَقَهْ
هذا الدّخانُ يفيضُ ملءَ يَديْكِ
ليس سوى حليبِ المحرقهْ
فخُذي من الطّاحون ما تعطيهِ رملاً أو ضباباً
الآن كيفَ ترى لأرضكَ؟
كلّما زدّتَ اقترَاباَ
كلّما زدّتَ اغترابا؟
الآن كيفَ تَرَى لِنَجْمِكَ
كُلَّما زادَ ابْتِعَاداَ
كلّما زدْتَ امتداداَ
موجةٌ أُخرى وساقِيَّتي تدورُ
وفي دمي تمشي يدايْ
أمشي تُخبِّئني يدايْ
أمشي وتسبقني يدايْ
أمشي وتتبعَنْي يدايْ
أمشي وتكتبني يدايْ
أمشي وتقرأني يدايْ
أمشي وتذبحني يدايْ
فَيَا يديَّ ويَا يديْ
وأظلّ أصرُخُ ياَ يديَّ ويا أنا
صارَ الشِّراعُ قناعَ وجْهِي من أناَ؟
القَرْمَطِيُّ؟ البَرْمَكِيُّ؟ القُرْطُبِيُّ؟ اللَّيْلَكِيُّ؟
الزئبقي؟ الزِّنْبَقِيُّ؟
الدَّائِرِيُّ؟ اللَّوْلَبِيُّ؟ الأمْرِيكِيُّ؟ السُّوفْيَتِيُّ؟
أظلُّ أصْرُخُ والشِّراعُ قناعُ وجهي من أناَ؟
طارت أنا حطّتْ أنا
طارَ الحجلْ حطَّ الحجلْ
طارتْ نعمْ حطّتْ نعمْ
لا. لا. لا. لا لا. نعمْ نعمْ. لا لا.
نعمْ طارَ الحجلْ حطَّ الحجلْ
سَفَرٌ سَفَرْ..
* * *
سلاماً أيّها المتراسُ إن ضاقتْ بكَ المُدُنُ
فما ضاقت بكَ السُّفُنُ
ويا قدماً زرعتُ القمحَ فيها وهي ترتحِلْ
شراييني التي قُطعتْ شراييني التي تصلُ
لماذا لم أزلْ حيّاً؟
أنا المطعون بالزيتونِ والعَنْبِ
أساعةُ حائطٍ للنَّارِ في السُّحُبِ؟
أتمثالٌ من اللَّهبِ؟
على قدميهِ قربانٌ من الحطب؟
أم الكبشُ الذي تركوهُ للمَعْزَى من العربِ؟
وأين غزالةُ العربِ؟
وأيْنَ يمامةُ العربِ؟
ورُمحُ الدّولةِ العربِي؟ِ
وترسُ الدّولةِ العربِي؟
وبدر الدولة العربي؟
وشمسُ الدّولةِ العربِي؟
الكتابُ الأخضَرُ العربِي؟
وسَيْفُ الدّولةِ العربِي؟
إذا جئناهُ معتصِماً وجدْناهُ أباَ لهََََبِ
وخُذْ ماَ شئْتَ من حمّالةِ الحطب
من الحطبِ
وخُذْ ماَ شِئتَ من خُطبِ
معلَّبةٍ كَماَ السّرْدينُ في العُلب
عُراةٌ كالمرايا ما لها كفنٌ
وجلاّدٌ جوارِبُهُ هي الوطنُ
أَُبْرُكْ على الجرْحِ واشْرَبْ أيُّها الجملُ
لقدْ عطشتَ طويلاً أيُّها الجملُ
لقدْ مشيْتَ طويلاً أيُّها الجملُ
لقدْ صَبَرْتَ طويلاً أيُّها الجملُ
فَهَوْدَجٌ أنت للسُّلطانِ مُرتحِلُ
وأنتَ قربانُ من حطُّوا ومن رحلوا
لا شارِعٌ لكَ فيهِ شُبّاكٌ ولا وطنُ
لكَ فيه لاَ بطلُ ولاَ وثَنُ
عطشانُ لاَ عودُ ماءٍ أنتَ تملِكُهُ
لكنْ لِخَطْفِكَ يمْشي البحْرُ والسُّفنُ
جَوْعَانُ وهو عَلَى السِكِّينِ سُنْبُلَةٌ
عُرْياَنُ وهو عَلَى صَحْرَائِهِمْ غُصْنُ
والشَّمْسُ دُودَةُ قَزٍّ
كُلُّ ماَ سَكَبَتْ مِنَ الحرِيرِ لَهُمْ
لكِنْ لَكَ الكَفَنُ
تُهدِي الجَرْحَ لَهُمْ طيْراً وفاَكِهةً
أمّا هديّتُهُمْ فالمذبحُ العفِنُ
غادرتَ بيروتَ ما بيروتُ قُرْطُبَةٌ
ولستَ أنْدَلُساً ياَ أيُّهَا الوطنُ
إنّي أناَ المُتنبّي فوقَ عَصْرِكُمُ حِذاءُ عصْري
أناَ المُستقْبَلُ الزَّمنُ
إنّي أناَ المُتنبّي سوفَ يقتُلُني
سَيْفُ لَهُ ذَنَبٌ
في عَنْقِهِ رَسَنٌ
لكِن سأصعدُ من سكِّينِكُمْ قمراً
على ضفائِرِهِ يَسْتيقظُ الوطنُ
ضفادعُ وردةٌ بصلُ
منِ البطَلُ؟ ولاَ بَطَلُ
وعصْرٌ نصْفُهُ حطبُ
وعصْرٌ نصْفُهُ لهَبُ
وعصْرٌ كُلُّهُ عَجَبُ
ولاَ عَجَبُ
وعصرُ ماَ لَهُ حَسَبٌ ولاَ نَسَبُ
وعصرُ ماَ لَهُ أمُّ أبُ
عصرٌ هو العجبُ ولاَ عجبُ
فَشُرطِيُّ لهُ أسماؤهُ العربيّةُ الحُسْنَى
على كَرْباَجِهِ الحِرْباَءُ تَشْربُ من دمي
لوناً فَبُورِكَتِ الزّناَزِينُ
التّي صَارت ْلناَ وطَناَ
وبورِكَ إِسْمُهُ العَجَبُ
ولاَ عجَبُ
فَشُرْطِيُّ عَنْ الأكْتَافِ قد نَزَلاَ
و شُرْطِيُّ على الأكْتاَفِ قدْ ركِباَ
و شُرْطِيُّ على جاَوِيشِهِ انْقَلَباَ
وَجاَويشٌ على جِنِرَالِهِ قُلِباَ
وَمُخْصِيُّ على المخْصِيِّ قَدْ وَثَباَ
وَأنْجَبَ مَسْخَهُ العَجَباَ
ولاَ عجبُ
هُمُ العربُ ولاَ عربُ
وقلبي في يدي جرسٌ
يدقُّ فيعلنُ العَسَسُ انْقِلاَباً اسْمُهُ القدسُ
ومُعْتَمِدٌ ومُعْتَضِدٌ
وأَلْقابٌ وأنْدَلُسُ
ولاَ قُدْسُ
هُمُ العَسَسُ هُمُ العَسَسُ
عَسَسٌ عَسَسْ
سَفَرٌ سَفَرْ
***
سَفَرٌ هِيَ النِّيراَنُ فَوْقَ الوَجْهِ طِينْ
والشَّمْسُ حَبَّةُ اسْبِرِينْ
جُنَّ النَّبِيُّ فَدَاوِهُ بالياَسَمِين
جُنَّ النَّخيلُ مِنَ الرَّحِيلْ
وَالبُرْتُقَالُ الإِنْتِهَازِيُّ الجميل
يميل حيث تميل كَفُّ الماَءِ
َيْفَ الرِّيحُ قَدْ مَالَتْ يَمِيلْ
خاَنَتْكَ عاَئِشَةٌ وَخاَنَ المُسْتَحِيلْ
ياَ أَيُّهاَ الدَّمُ لَوْ تَقُولْ
ياَ أَيُّهاَ الفَمُ لَوْ تَقُولْ
قُلْهاَ وَعِشْ
حَتَّى تَرَى
حَتَّى أَرَى
وَطَناً عَلَى رَايَاتِهِ اِجْتَمَعَ الفَرَاشُ مَعَ الذُّبَابْ
وَطَناً عَلَى أَجْرَاسِهِ اِخْتَلَطَ اليَمَامُ مَعَ السَّرَابِ
وَجَرَى الرَّنِينْ
وَشَبَّتْ النِّيرَانُ فِيهِ
جَرَى الرَّنِينُ سَلاَسِلاَ
اخْضَرَّ الرَّنِينْ جَدَاوِلاَ
اصْفَرَّ الرَّنِينُ سَنَابِلاَ
كَمْ قَالَتْ الأَمْوَاجُ
لاَ تَذْهَبْ بَعِيداً فِي المِياَهْ
كَمْ قَالَتِ الأمْواَجُ
لَوْ تَرْسُو قَلِيلاً فِي المِياَهْ
تَبْقَى قَلِيلاً فِي الموانئ
كَيْ نَرَاكَ وَلاَ نَرَاكْ
يَا مَنْ رَآنِي طُولَ عُمْرِي فِي الشَّبَكْ
مَاتَ السَّمَكْ عَاشَ السَّمَكْ
سَقَطَ المَطَرْ ذَابَ الشَّجَرْ
سَفَرٌ سَفَرْ... سفر سفر
كَلْبٌ عَلَى الشُّبَّاكْ فِي فَمِهِ القَمَرْ
قَيْسٌ وَلَيْلَى فَوقَ سُرَّتِهَا حَجَرْ
وَعَلَى يَدَيَّ العَنْكَبُوتْ
تِينٌ وَرُمَّانٌ وَتُوتْ
الشَّوْكُ فَتَّحَ فِي فَمِي
والنَّحْلُ فِي رِئَتِي يَمُوتْ
ياَ مَنْ يَمُوتُ وَلاَ يَمُوتْ
حَاوَلْتُ وَصْفَكَ فِي الموانئ
مَا الذِي أَصِفُ وَلاَ أَصِفُ؟
يَا أَيُّهَا القُرْبَانُ فَوْقَ أَصَابِعِي يَقِفُ
وَالرِّيحُ عَاتِيَةٌ وَالكَفُّ تَرْتَجِفُ
وَأَنْتَ تَرْتَجِفُ
يَا أَيُّهاَ الصَوَّانُ وَالخَزَفُ
ياَ أيها الدم يطفو فوقه الصدفُ
حاولت وصفكَ فِي الموانئ
ما الذِي أَصفُ ولاَ أصِفُ؟
وذِراعُكَ العَنْقودُ
كَمْ عَصَرُوا وكم قَطَفُوا
حاولتُ وصفكَ فِي الموانئ
هاهناَ فوقَ الشِّراع
رَسمتُ شُبّاكاً ورُحْتُ أَعُضُّهُ لأَشُقَّهُ
وأَطِلُّ منهُ عَلَى دَمِي
قطع من الزبد الذي يطفو على وجه المياه
ويختفي
زَبدٌ دَمِي
وَأَنا المطوَّقُ كالحمَامةِ بالدَّم
وأَنا أَنا
وأَنا على لوح اللّهبْ
والماءُ فتَّحَ فوقَ عَنْقي
مثلَ كأسٍ رَاحَ يطفو فَوْقَ عَنْقودِ العَنْبْ
صُبُّوا عليّ بِحارَكُمْ
صُبُّوا عليّ رِياحكُمْ
سَأظلُّ فوقَ الموجِ
لستُ غريقَكُمْ
فأنا الغرَقْ
ولَسَوْفَ أجْبِلُ موْجَكُمْ خشباً
وأعجنهُ ورقْ
وَعَلَى أصابعِ موجةٍ أبني سريراً
وأُعلِّقُ المصْباحَ والوطنَ الصّغيراَ
الآنَ عاصمةٌ جديدهْ
الآنَ نافِذَةٌ جديدهْ
الآنَ عَنْوانٌ جديدْ
هذا زمانُ الماءِ
كيفَ تُألِّفُ البيتَ الجديداَ؟
الآنَ أين تُعلِّقُ الشُّهداءَ والشُّعراءَ؟
أَين تقولُ للشُبّاكِ كُنْ نافورةً
وتَقولُ للكُرسيِّ كُنْ حوتاً كبيراً أو صغيراً
الآنَ كيف بدونِ عينيها أكونْ؟
مَطَرٌ بلونِ الياسمينْ
سحابةٌ قصَّتْ ضفائرَهاَ
لتكسو السّندِيانْ
سَفَرٌ بلونِ السّنديانْ
مَطرٌ بلونِ السّنديانْ
موتٌ بلونِ السّنديانْ
وأنتَ رمّانُ على الرُمّانِ مكسورٌ
وريحانٌ على الرّيحانِ مذبوحٌ
وأنتَ عليكَ أن تبقى تدورُ ولاَ تَدورْ
وأنتَ عليكَ أن تبقى تسيرْ ولاَ تسيرْ
وأنتَ عليكَ أن تبقى تطيرُ ولاَ تطيرْ
وأنتَ عليكَ أن تبقى تميلُ ولاَ تميلْ
وأنتَ عليكَ أن تبقى تقولُ ولاَ تَقولْ
وأنتَ عليكَ أن تبقى القتيل ولاَ قتيلْ
وأنتَ إنْ وجدوكَ مكسوّاً بريشِ الشّمسِ شوكاً أحرقوهْ
وأنتَ إن أعطاكَ عُصفورٌ جناحاً حطَّمُوهْ
وأنتَ إن أعطاكَ قبرُ أبيكَ شُبّاكاً صغيراً أغلقوهْ
ياَ منْ يتوهُ وَلاَ يتوهْ
منْ أيِّ محْبرةٍ شَرِبْتْ؟
بأيِّ مقلاعٍ رُجمْتْ؟
بِأَيِّ مِزْمَارٍ ذُبِحْتْ؟
وَاهِ ياَ فَمَناَ المُدَنَّسْ
آهِ ياَ دَمَناَ المقَدَّسْ
آهِ ياَ سفرَ الهداهِدِ في القصائدْ
آهِ ياَ نَوْحَ البَجَعْ
حطَّ الحمامُ على الشَّجرْ
سقطَ المَطَرْ
ذاب الحمام على الشّجرْ
سَفَرٌ سَفَرْ ... سفر سفر
فلتَأخُذِ الحرْباءُ فرشاتي وألواني ووجهي
كي تنامَ وكي أنامْ
لوْ أنْ صوتَكَ يكسِرُ الصّخْرَ الغمامْ؟
لو أنَّ صوتَكَ يستريحُ على يديَّ لكي أنامْ
تعبتُ من صوتِ الرُّخامِ
تعبتُ من وجهِ الرُّخامْ
يأتي هديرُ البحرِ مكتحلاً بلونِ البُرتقالْ
يأتي رذاذَ الشّمسِ مصبوغاً بحنّاءِ الغزالْ
يأتي خريرُ اللّيْلِ مكسوراً وتنفجرُ الظّلالْ
جُمّيْزَةٌ كانتْ هناَ
ذهبتْ بعيداً في الرّمالْ
ياَ طائرَ الرُخِّ الذِي قصُّوا جناحِيهِ تعالْ
مُعلَّقٌ أناَ من شراييني
غسيلُ اللّه في كلّ الحبال
يأْتي صهيلُ الأَرضِ مطبعةٌ تدورْ
وتطبع الأشجار والأحجار
يأتي طائر ويصحّح الأسماء
يأتي طائر يضع النقط فوق الحروف
ومن سقط هو ليس أول من سقط
كم من أصابع هذه الأشجار
كم ورق سقط.
يأتي هديل الأرض مطبعة تدور
الأُمَّ تطبَعُ طفلهَا
والأرضُ تطبعُ ظلَّهَا
والبحرُ يطبعُ موجَهُ
والشّمسُ من جُرحٍ إلى جُرْحٍ
توزّعُ حِبْرًها وحليبَها
والشّمسُ إمرأةٌ على أشلاء متراسٍ تَلِدْ
ياَ أَيُّها الوجهُ الذِي يطفو على وجهي ابتَعِدْ
واتْرُكْ على الأمواجِ لِي سكِّينَ ماءْ
سأعيدُ هذا الوجهَ للأمواجِ تغسلهُ
إلى الجلاّدِ يغسلُهُ ويُسكنُهُ
فَحِينَ سَكَنْتُمُ وَجْهِي
تَغَيَّرَ لَمْ يَعُدْ وجهي
وصوتي لم يعد صوتي
تعالوا أيها الشهداء
يا وجهي ويا صوتي
تَعاَلَوْا قَدْ طَبَخْتُ لَكُمْ أَكاليلَ الزُّهورِ
عجنتُهاَ بالمُلصَقاتِ
سَكبْتُ فيهاَ ماَ كَتبْناَ منْ قصائدْ
ماَ كتبْناَ قدْ دَفَنَّا ماَ زَرَعَنْاَ قدْ حَصَدْناَ
آهِ ضَيِّقَةٌ قُبُورُكُمْ
وَأَرْضُ اللّهِ ضَيِّقَةٌ
تَعاَلوْا في الهواءِ الطّلْقِ
نَسْأَلْ عَنْ أَياديناَ
نُفتِّشُ في جُيوبِ اللّهِ عَنْ حجرٍ وعنْ خَنْدَقْ
وَفَتَّشْناَ جُيوبَ اللّهْ
ماَذا في جيوبِ اللّه؟
غيرُ البحرِ والزّورقْ
وغيرُ الصَّمْغِ والمُلْصَقْ
هي الأمواجُ قدْ طبختْ
وقدْ عُجِنَتْ وقدْ خُبِزَتْ
هي الطّاحونُ والزَّبَدُ
وشلاَّلٌ هو الزَّرَدُ
جرادٌ ما لهُ عددُ
هو السَّفرُ ولاَ سفرُ
على أكتافنا الخصيانُ قدْ باضوا
وقدْ فَقَسُوا
لَعِبْنَا لُعْبَةَ الشُّطْرَنْجِ
حُوصِرْنَا وَدافَعْنَا
ذُبِحْنَا من أصابِعِناَ وَدَافَعْناَ
وضَاقَتْ رُقْعَةُ الشَّطْرنْجِ
والمَلْعَبْ وَشَاهٌ خَلْفَهُ الشّاهاتُ
تُعْطِيهِ عَساَكِرَها لِكي يَلْعَبْ
وَكيْ يَغْلِبْ وَكيْ يَبْقَى
لهُ المَلْعَبْ أَكانَ الشّاَهُ والشّاهاتُ فيناَ في أصابِعِناَ ولمْ
نَعْرِفْ؟
أَحقّاً لم نكنْ نعرِفْ؟
وَكَمْ شَاهٍ أقامَ على أصابِعِناَ
أَقامَ هناكَ في فندقْ
أقام هناك في خنْدقْ
أقام ولم نكن نعرِفْ؟
أَحقّاً لم نكن نعرِفْ؟
يَنامُ الذِّئبُ ذُو الأجْراسِ في المِرْآة في وجْهي ولاَ أَعْرِفْ؟
أحقّاً نحنُ لمْ نعَِْرفْ؟
أحقّاً نحنُ في عَمَّانَ لم نعرِفْ؟
وفي بيروت لم نعرِفْ؟
فهلْ نعرِفْ؟
ونحنُ الآنَ بين أصابعِ الحيتان هلْ نعرِفْ؟
مَطَرٌ بلونِ اللّيلِ تذكرُ شاَطِئاً
مَطَرٌ بلونِ الرّملِ تذْكُرُ شاطئاً ومَوانِئاً
مَطَرٌ بلونِ الرّيحِ تذكرُ شاَطئاً وموانئاَ ومراكباَ
قِطَطٌ من المَرْجانِ تَملأُ حُجْرتي
شُعَلُ المَطَرْ
مَطَرٌ مَطَرْ
مَطَرٌ بلوني
أيُّ لونٍ لي سِوَى لونِ المَطَرْ؟
سَفَرٌ سَفَرْ ... سَفَرٌ سَفَرْ
قد كان إسمكَ ياَ حبيبي في فم السجَّانِ أجملْ
قد كان وجهكَ ياَ حبيبي في يد الجلادِ أجملْ
قد كنت أجملَ ياَ حبيبي كنت أجمل
مَطَر غزالُ اللّيلِ أكْحلْ
مَطَرٌ بِلَوْنِ قُبوركُمْ
مَطَرٌ بِلَوْنِ عُيُونِكُمْ
مَطَرٌ بِلَوْنِ وجوهِكُمْ
أَناَ أَيْنَ أحمِلُكُمْ مَعِي؟
وحقيبتي هي موجةٌ علَّقتُ فِيهاَ أَضْلُعِي
أَناَ لسْتُ أعْرِفُ وسْطَ هذا البَلْقَعِ
مَنْ مَنْ عَلَيَّ من الذِّئَابِ وَمنْ مَعِي؟
أناَ مُنْذُ غاَبتْ عنْ يديَّ عيُونُكُمْ
ورَكِبْتُ قَبْراً آخَراَ
أَصْبَحْتُ شَيْئاً آخَراَ
الآنَ كيفَ أَعودُ أزْرَعُكُمْ سَراباً آخراَ
مطرٌ يُكوِّمُ ماءهُ تَلاًّ
ويَزْرَعُ فَوْقَهُ نَخْلاً
وَيعطي للخناجرِ ذاكِرَهْ
هذا العَشَاءُ هو الأخيرُ على موائِدِكُم
تعبتُ من موائِدِكُمْ
تعبتُ من العناكِبِ في قميصي
والفراشةُ فوقَ كَفّي لم تلِدْ غيرَ الزّبَدْ
نافورةٌ والماءُ خيطُ العنْكَبوتْ؟
ياَ مَنْ يَموتُ ولاَ يَموتْ
هذا العشاءُ هو الأخيرُ على موائدِكُمْ
وهذا الدِّيكُ ذو الوجْهيْنِ شاَهِدْ
إنِّي أناَ الزّاني أَنا الجاني
وكلُّكُمُ ملاَئِكةٌ وكُلُّكُمْ قَصائِدْ
هذا العشاءُ هو الأَخيرُ على موائدِكُمْ
وإنِّي الآنْ الآنَ أعرِف آكِلي لحْمَ الخُيولِ الميِّتهْ
لَحْمَ المَراياَ الميِّتَهْ
لَحْمَ الرِّياحِ الميِّتَهْ
هذا العشاءُ هو الأخيرُ على موائدِكُمْ
فمنذُ الآنَ سوفَ أكونُ وجْهِي
لم تكن عذراءَ نخلَتُكُمْ
ولاَ عذراءَ مَرْيَمُكُمْ
فلاَ بيضاً صنائِعُكُمْ
ولاَ خُضراً مَراَبِعُكُمْ
ولاَ سوداً مواقِعُكُمْ
ولاَ حُمراً مَواضِيكُمْ
أَلاَ تَبَّتْ أَياَدِيكُمْ
أَلاَ تَبَّتْ أَياَدِيكُمْ
وداعاً ياَ ليالي الكَرْنَفَالْ
مَطَرٌ بِلَونِ الكَرْنَفالْ
سَفَرٌ بِلَونِ الكَرْنَفالْ
مَوْتٌ بِلَونِ الكَرْنَفالْ
النّارُ شَبَّتْ في النَّسِيمِ الأَخْضّرِ العَرْياَنِ
وانْفَجَرَ الشِّراعْ
كانَ الشِّراعُ هو القناعْ
سقطَ الشّراعُ على الشّراعْ
سقطَ القناعُ على القناعْ
عارٍ كَنَهْرٍ ضفّتاهُ يَداكَ
وانْفجرتْ يداكْ
طارتْ أصابِعُناَ سنابلْ
جمِّعيها مرّة أُخرى بكَفِّي
جمِّعيها كيَّ أُقاتِلْ
ما الذِي أَبْقاكَ حيّاً
كيْ تَرى ذَبْحَ الوُعُولْ على الوُحولْ؟
سَفَرٌ يَطولْ
سَفَرٌ سَفَرٌ
سَفَرٌ الفراشةِ للقَمَرْ
سَفرُ السَّفينةِ في الحجرْ
سَفَرُ الثَّعالِبِ في عناقيدِ الدَّمِ
سفر المراكِبِ شبّتِ النِّيرانُ فيهاَ من يديَّ إلى فَمِي
يأْتي الرَّصاصُ إِليْكَ من كلِّ الرِّياَحِ الأَرْبَعُ
يأْتِي الرَّصاَصُ إِليْكَ
منْ كُلِّ الشَّباَبيكِ التّي فُتِحَتْ على كلِّ الرِّياَحِ
الأَرْبَعِ
كُلُّ الجِهاَتِ الأَرْبَعِ الآنَ تَعْرِفُهُمْ
وَتَعْرِفُ أنَّ خيطَ مُعاَوِيَهْ
هوَّ حبْلُ مشْنَقةٍ بكَفِّ مُعاَوِيَهْ
الآنَ تَعْرِفُهُمْ
وتعرِفُ أَنَّ أَطْفاَلَ المَداَرِسِ وَحْدَهُمْ في بِئْرِ زَيْتٍ
وَحْدَهُمْ في قَرْيَةٍ مَنْسِيَّةٍ
كُلُّ العَربْ الآنَ تعْرِفُ أَنَّ شَوْكَ الكَفِّ شَيْءٌ غَيْرَ
عُشْبِ الأَرْضِ
تعْرِفُ أَنَّ غَزَّةَ غَيْرَ أَشْباَحِ المُدُنْ
الآنَ تعْرِفُ أنَّ شُبّاَكاً
صغيراً منْ تُرابِ الأَرْضِ مفْتوحاً لوجْهِكَ
وحْدَهُ سَتُطِلُّ منه على الوَطَنْ
الآنَ تَعْرِفُ أنَّ للسِكِّينِ فُرْصَتَهَا وَصورتَهَا
وللقُرْباَنِ فُرْصَتُهُ وصُورَتُهُ
الآنَ تَعْرِفُ أنَّ منْشوراً بِحجمِ الكفِّ
مكْتوباً بِرمشِ العينِ في ناَبُلْسَ
أَبْقَى منْ جَراَئِدِهِمْ مُطَرَّزَةٍ بِأَسْلاَكِ الذَّهَبْ
الآنَ تعرِفُ أنَّ هذا الصَّمْتَ ذاَ الأَشْواَكِ مِنْ شِيَمِ
العَرَبْ
الآنَ تعرِفُ أنَّ صَمْتَكَ لمْ يَكنْ ذَهَباَ وَلاَ خَشَباَ
وَأَنَّكَ حينَ تَصْمُتُ يَصْعدوُنَ إِلى فَمِكْ
أَبَدأْتَ تُحصي أضْلُعَكَ؟
كمْ مِنْ ضُلوعِكَ والحصارُ يضيقُ قد وقَفَتْ مَعَكْ؟
الآنَ تَعرِفُ أَنَّ للدَّوراَنِ قاَنوناً
كَماَ للقَمْحِ طاَحُوناً
وَتعْرِفُ أنَّ قَمْحَهُمُ ذُباَبْ
وأنَّ خُبْزَهُمُ سَراَبْ
الآنَ تَعْرِفُ أَنَّ كَفّاً صَافَحوكَ وَباَيَعوكَ ِبهَا
أصاَبِعُهاَ مَساَميرُ الصّليبْ
النّحْلُ ملءُ الأَصْلُع
ِتَأْتِي إِليكَ النَّارُ منْ كُلِّ الجِهاتِ الأَرْبَعِ
تَأْتي إِليَّ النّاَرُ
هَلْ هذا الذِي في جَوْرَبِ الجَلاَّدِ
جِلْدُ مُخَيَّمِ اليَرْمُوكِ
صاَرَ قَمِيصُهُ أَهْدى مُسَدَّسهُ لأَوْراَقِي؟
وكنْتُ أَظُنُّهُ حِبْراَ فَكاَنَ الوَحْلَ في وجْهِ القَصيدَهْ؟
تأتي إِليَّ النّاَرُ
هلْ هذا الذِي في خُوذَةِ الجَلاَّدِ
يَسْلَقُ رَأْسَ طِفْلِي
كاَنَ في يومٍ أَباً مِثْلِي؟
وكاَنَ يَقُولُ إِنَّ اللّه أفقرُ شاَعِرِ في الأَرْضِ
هلْ هذا الذِي في خُوذَةِ الجَلاَّدِ يَسْلَقُ ثَدْيَ أُمِّي
يَعْرِفُ الفُقَراَءَ والشُّعَراءَ
يختصر الخَناَجِرَ كُلَّها َفي وَجْهِ أُمِّهْ؟
تَأْتِي إِليَّ النَّارُ
هلْ هذا الذِي ذَبَحوهُ مِنْ سَاقيهِ يَنْهَضُ منْ دمي
يَمْشي إِليَّ عصاهُ شِرْياَني وساَقِي بُنْدُقِيَّهْ؟
أَيُّهاَ الوجْهُ المكرّرْ
أنتَ لاَ تحتلُّ وجْهي إنّما تحتلُّ قبرَكْ
يَسْقطُ الآنَ قرابينُ منَ الماَءِ المطرْ
يسقطُ الآنَ سكاكينُ من الماءِ المطرْ
أنتِ تزْدادينَ عُرْياً
وأنا أزدادُ عُرْياً في المَطَرْ
يبدأُ الآنَ السَفَرْ
سَفَرٌ سَفَرْ .
آهِ ياَ مرْكبِ نوحِ
لستَ نوحاً يجمعُ العَنقاءَ والحرْباءَ في كأسٍ ودَرْب
كُلَّ ماَ هَبَّ ودَبّ
فكفى ما رقصَ الرّاقِصُ في الثّورةِ
رقص – الْهولاهوبْ
يَدُهُ في كلِّ جُرْحٍ
فمُهُ في كلِّ جيبْ
وكفى ما عانتِ المَرْكَبُ
منْ شدٍّ وجذْبْ
وكفى أشرِعةُ المرْكبِ حرْقاً بعدَ صلْبْ
ليسَ كلبُ البحرِ بحّاراً
تَعبناَ منْ كِلاَبِ البحْرِ فوقَ الأشْرِعهْ
منْ كِلاَبِ البحْرِ تحتَ الأشْرِعهْ
منْ رُقادِ الضَّبْعِ في جُرْحِ النَّخِيلْ
ما تبقّى معكَ الآنَ هوَّ الكلُّ القليلْ
ما تبقّى معك الآنَ هوَّ الزِّلْزاَلُ ذو الظلِّ الظّليلْ
ما تبقّى معك الآنَ هيَّ الأرضُ التي أعطتكَ إسْماَ
ما تبقّى معك الآنَ هيَّ الكفُّ التي ترسُمُ في النِّيرانِ شُبّاَكاً
ونجماَ
ما تبقّى معك الآنَ هوَّ الجُرْحُ الذِي أبقاكَ حَيّاَ
ما تبقّى منْهُمُ؟
هَلْ صَحَّحوا الشُبَّاكَ قدْ ماَلَ قَليلاً أوْ كَثيراً
حينماَ هَدُّوا المُخَيَّمْ؟
ما تبقّى منهُمُ
هلْ صحَّحوا الأَشْجاَرَ
قدْ مَالتْ شَماَلاً أو جَنوباَ
حينماَ اغتالوا عليْهاَ كُلَّ بُرْعُمْ؟
ماَ تبقّى منهُمُ هلْ صحّحوا الأوراقَ والأخْطاءَ
من قد صحّح الأوراق والأخطاء
دبّابةُ مأجورٍ مُؤَجَّرْ؟
ماَ تبقّى منهُمُ هلْ صحّحوا عُنْقَ الفَلَسْطِينِييِّ إذْ مالَ بِخِنْجَرْ؟
أَيُّها الوجْهُ المُكَرَّرْ
أَنْتَ لَنْ تَحْتَلَّ ظِلاًّ
أَنْتَ لَنْ تَحْتَل طِفْلاَ
أَنْتَ لَنْ تَحْتَل وجْهِي
إِنّما تحْتلُّ قبرَكْ
ما طَراَبُلْسُ البدايَهْ
ما طَراَبُلْسُ النهاية
إنّها أوَّلُ أَيَّامِ السَفَرْ
سَفَرٌ سَفَرْ
طالَ السَفَرْ
عاشَ السَفَرْ
سَفَرٌ سَفَرْ..
-------
فما ضاقت بكَ السُّفُنُ
ويا قدماً زرعتُ القمحَ فيها وهي ترتحِلْ
شراييني التي قُطعتْ شراييني التي تصلُ
لماذا لم أزلْ حيّاً؟
أنا المطعون بالزيتونِ والعَنْبِ
أساعةُ حائطٍ للنَّارِ في السُّحُبِ؟
أتمثالٌ من اللَّهبِ؟
على قدميهِ قربانٌ من الحطب؟
أم الكبشُ الذي تركوهُ للمَعْزَى من العربِ؟
وأين غزالةُ العربِ؟
وأيْنَ يمامةُ العربِ؟
ورُمحُ الدّولةِ العربِي؟ِ
وترسُ الدّولةِ العربِي؟
وبدر الدولة العربي؟
وشمسُ الدّولةِ العربِي؟
الكتابُ الأخضَرُ العربِي؟
وسَيْفُ الدّولةِ العربِي؟
إذا جئناهُ معتصِماً وجدْناهُ أباَ لهََََبِ
وخُذْ ماَ شئْتَ من حمّالةِ الحطب
من الحطبِ
وخُذْ ماَ شِئتَ من خُطبِ
معلَّبةٍ كَماَ السّرْدينُ في العُلب
عُراةٌ كالمرايا ما لها كفنٌ
وجلاّدٌ جوارِبُهُ هي الوطنُ
أَُبْرُكْ على الجرْحِ واشْرَبْ أيُّها الجملُ
لقدْ عطشتَ طويلاً أيُّها الجملُ
لقدْ مشيْتَ طويلاً أيُّها الجملُ
لقدْ صَبَرْتَ طويلاً أيُّها الجملُ
فَهَوْدَجٌ أنت للسُّلطانِ مُرتحِلُ
وأنتَ قربانُ من حطُّوا ومن رحلوا
لا شارِعٌ لكَ فيهِ شُبّاكٌ ولا وطنُ
لكَ فيه لاَ بطلُ ولاَ وثَنُ
عطشانُ لاَ عودُ ماءٍ أنتَ تملِكُهُ
لكنْ لِخَطْفِكَ يمْشي البحْرُ والسُّفنُ
جَوْعَانُ وهو عَلَى السِكِّينِ سُنْبُلَةٌ
عُرْياَنُ وهو عَلَى صَحْرَائِهِمْ غُصْنُ
والشَّمْسُ دُودَةُ قَزٍّ
كُلُّ ماَ سَكَبَتْ مِنَ الحرِيرِ لَهُمْ
لكِنْ لَكَ الكَفَنُ
تُهدِي الجَرْحَ لَهُمْ طيْراً وفاَكِهةً
أمّا هديّتُهُمْ فالمذبحُ العفِنُ
غادرتَ بيروتَ ما بيروتُ قُرْطُبَةٌ
ولستَ أنْدَلُساً ياَ أيُّهَا الوطنُ
إنّي أناَ المُتنبّي فوقَ عَصْرِكُمُ حِذاءُ عصْري
أناَ المُستقْبَلُ الزَّمنُ
إنّي أناَ المُتنبّي سوفَ يقتُلُني
سَيْفُ لَهُ ذَنَبٌ
في عَنْقِهِ رَسَنٌ
لكِن سأصعدُ من سكِّينِكُمْ قمراً
على ضفائِرِهِ يَسْتيقظُ الوطنُ
ضفادعُ وردةٌ بصلُ
منِ البطَلُ؟ ولاَ بَطَلُ
وعصْرٌ نصْفُهُ حطبُ
وعصْرٌ نصْفُهُ لهَبُ
وعصْرٌ كُلُّهُ عَجَبُ
ولاَ عَجَبُ
وعصرُ ماَ لَهُ حَسَبٌ ولاَ نَسَبُ
وعصرُ ماَ لَهُ أمُّ أبُ
عصرٌ هو العجبُ ولاَ عجبُ
فَشُرطِيُّ لهُ أسماؤهُ العربيّةُ الحُسْنَى
على كَرْباَجِهِ الحِرْباَءُ تَشْربُ من دمي
لوناً فَبُورِكَتِ الزّناَزِينُ
التّي صَارت ْلناَ وطَناَ
وبورِكَ إِسْمُهُ العَجَبُ
ولاَ عجَبُ
فَشُرْطِيُّ عَنْ الأكْتَافِ قد نَزَلاَ
و شُرْطِيُّ على الأكْتاَفِ قدْ ركِباَ
و شُرْطِيُّ على جاَوِيشِهِ انْقَلَباَ
وَجاَويشٌ على جِنِرَالِهِ قُلِباَ
وَمُخْصِيُّ على المخْصِيِّ قَدْ وَثَباَ
وَأنْجَبَ مَسْخَهُ العَجَباَ
ولاَ عجبُ
هُمُ العربُ ولاَ عربُ
وقلبي في يدي جرسٌ
يدقُّ فيعلنُ العَسَسُ انْقِلاَباً اسْمُهُ القدسُ
ومُعْتَمِدٌ ومُعْتَضِدٌ
وأَلْقابٌ وأنْدَلُسُ
ولاَ قُدْسُ
هُمُ العَسَسُ هُمُ العَسَسُ
عَسَسٌ عَسَسْ
سَفَرٌ سَفَرْ
***
سَفَرٌ هِيَ النِّيراَنُ فَوْقَ الوَجْهِ طِينْ
والشَّمْسُ حَبَّةُ اسْبِرِينْ
جُنَّ النَّبِيُّ فَدَاوِهُ بالياَسَمِين
جُنَّ النَّخيلُ مِنَ الرَّحِيلْ
وَالبُرْتُقَالُ الإِنْتِهَازِيُّ الجميل
يميل حيث تميل كَفُّ الماَءِ
َيْفَ الرِّيحُ قَدْ مَالَتْ يَمِيلْ
خاَنَتْكَ عاَئِشَةٌ وَخاَنَ المُسْتَحِيلْ
ياَ أَيُّهاَ الدَّمُ لَوْ تَقُولْ
ياَ أَيُّهاَ الفَمُ لَوْ تَقُولْ
قُلْهاَ وَعِشْ
حَتَّى تَرَى
حَتَّى أَرَى
وَطَناً عَلَى رَايَاتِهِ اِجْتَمَعَ الفَرَاشُ مَعَ الذُّبَابْ
وَطَناً عَلَى أَجْرَاسِهِ اِخْتَلَطَ اليَمَامُ مَعَ السَّرَابِ
وَجَرَى الرَّنِينْ
وَشَبَّتْ النِّيرَانُ فِيهِ
جَرَى الرَّنِينُ سَلاَسِلاَ
اخْضَرَّ الرَّنِينْ جَدَاوِلاَ
اصْفَرَّ الرَّنِينُ سَنَابِلاَ
كَمْ قَالَتْ الأَمْوَاجُ
لاَ تَذْهَبْ بَعِيداً فِي المِياَهْ
كَمْ قَالَتِ الأمْواَجُ
لَوْ تَرْسُو قَلِيلاً فِي المِياَهْ
تَبْقَى قَلِيلاً فِي الموانئ
كَيْ نَرَاكَ وَلاَ نَرَاكْ
يَا مَنْ رَآنِي طُولَ عُمْرِي فِي الشَّبَكْ
مَاتَ السَّمَكْ عَاشَ السَّمَكْ
سَقَطَ المَطَرْ ذَابَ الشَّجَرْ
سَفَرٌ سَفَرْ... سفر سفر
كَلْبٌ عَلَى الشُّبَّاكْ فِي فَمِهِ القَمَرْ
قَيْسٌ وَلَيْلَى فَوقَ سُرَّتِهَا حَجَرْ
وَعَلَى يَدَيَّ العَنْكَبُوتْ
تِينٌ وَرُمَّانٌ وَتُوتْ
الشَّوْكُ فَتَّحَ فِي فَمِي
والنَّحْلُ فِي رِئَتِي يَمُوتْ
ياَ مَنْ يَمُوتُ وَلاَ يَمُوتْ
حَاوَلْتُ وَصْفَكَ فِي الموانئ
مَا الذِي أَصِفُ وَلاَ أَصِفُ؟
يَا أَيُّهَا القُرْبَانُ فَوْقَ أَصَابِعِي يَقِفُ
وَالرِّيحُ عَاتِيَةٌ وَالكَفُّ تَرْتَجِفُ
وَأَنْتَ تَرْتَجِفُ
يَا أَيُّهاَ الصَوَّانُ وَالخَزَفُ
ياَ أيها الدم يطفو فوقه الصدفُ
حاولت وصفكَ فِي الموانئ
ما الذِي أَصفُ ولاَ أصِفُ؟
وذِراعُكَ العَنْقودُ
كَمْ عَصَرُوا وكم قَطَفُوا
حاولتُ وصفكَ فِي الموانئ
هاهناَ فوقَ الشِّراع
رَسمتُ شُبّاكاً ورُحْتُ أَعُضُّهُ لأَشُقَّهُ
وأَطِلُّ منهُ عَلَى دَمِي
قطع من الزبد الذي يطفو على وجه المياه
ويختفي
زَبدٌ دَمِي
وَأَنا المطوَّقُ كالحمَامةِ بالدَّم
وأَنا أَنا
وأَنا على لوح اللّهبْ
والماءُ فتَّحَ فوقَ عَنْقي
مثلَ كأسٍ رَاحَ يطفو فَوْقَ عَنْقودِ العَنْبْ
صُبُّوا عليّ بِحارَكُمْ
صُبُّوا عليّ رِياحكُمْ
سَأظلُّ فوقَ الموجِ
لستُ غريقَكُمْ
فأنا الغرَقْ
ولَسَوْفَ أجْبِلُ موْجَكُمْ خشباً
وأعجنهُ ورقْ
وَعَلَى أصابعِ موجةٍ أبني سريراً
وأُعلِّقُ المصْباحَ والوطنَ الصّغيراَ
الآنَ عاصمةٌ جديدهْ
الآنَ نافِذَةٌ جديدهْ
الآنَ عَنْوانٌ جديدْ
هذا زمانُ الماءِ
كيفَ تُألِّفُ البيتَ الجديداَ؟
الآنَ أين تُعلِّقُ الشُّهداءَ والشُّعراءَ؟
أَين تقولُ للشُبّاكِ كُنْ نافورةً
وتَقولُ للكُرسيِّ كُنْ حوتاً كبيراً أو صغيراً
الآنَ كيف بدونِ عينيها أكونْ؟
مَطَرٌ بلونِ الياسمينْ
سحابةٌ قصَّتْ ضفائرَهاَ
لتكسو السّندِيانْ
سَفَرٌ بلونِ السّنديانْ
مَطرٌ بلونِ السّنديانْ
موتٌ بلونِ السّنديانْ
وأنتَ رمّانُ على الرُمّانِ مكسورٌ
وريحانٌ على الرّيحانِ مذبوحٌ
وأنتَ عليكَ أن تبقى تدورُ ولاَ تَدورْ
وأنتَ عليكَ أن تبقى تسيرْ ولاَ تسيرْ
وأنتَ عليكَ أن تبقى تطيرُ ولاَ تطيرْ
وأنتَ عليكَ أن تبقى تميلُ ولاَ تميلْ
وأنتَ عليكَ أن تبقى تقولُ ولاَ تَقولْ
وأنتَ عليكَ أن تبقى القتيل ولاَ قتيلْ
وأنتَ إنْ وجدوكَ مكسوّاً بريشِ الشّمسِ شوكاً أحرقوهْ
وأنتَ إن أعطاكَ عُصفورٌ جناحاً حطَّمُوهْ
وأنتَ إن أعطاكَ قبرُ أبيكَ شُبّاكاً صغيراً أغلقوهْ
ياَ منْ يتوهُ وَلاَ يتوهْ
منْ أيِّ محْبرةٍ شَرِبْتْ؟
بأيِّ مقلاعٍ رُجمْتْ؟
بِأَيِّ مِزْمَارٍ ذُبِحْتْ؟
وَاهِ ياَ فَمَناَ المُدَنَّسْ
آهِ ياَ دَمَناَ المقَدَّسْ
آهِ ياَ سفرَ الهداهِدِ في القصائدْ
آهِ ياَ نَوْحَ البَجَعْ
حطَّ الحمامُ على الشَّجرْ
سقطَ المَطَرْ
ذاب الحمام على الشّجرْ
سَفَرٌ سَفَرْ ... سفر سفر
فلتَأخُذِ الحرْباءُ فرشاتي وألواني ووجهي
كي تنامَ وكي أنامْ
لوْ أنْ صوتَكَ يكسِرُ الصّخْرَ الغمامْ؟
لو أنَّ صوتَكَ يستريحُ على يديَّ لكي أنامْ
تعبتُ من صوتِ الرُّخامِ
تعبتُ من وجهِ الرُّخامْ
يأتي هديرُ البحرِ مكتحلاً بلونِ البُرتقالْ
يأتي رذاذَ الشّمسِ مصبوغاً بحنّاءِ الغزالْ
يأتي خريرُ اللّيْلِ مكسوراً وتنفجرُ الظّلالْ
جُمّيْزَةٌ كانتْ هناَ
ذهبتْ بعيداً في الرّمالْ
ياَ طائرَ الرُخِّ الذِي قصُّوا جناحِيهِ تعالْ
مُعلَّقٌ أناَ من شراييني
غسيلُ اللّه في كلّ الحبال
يأْتي صهيلُ الأَرضِ مطبعةٌ تدورْ
وتطبع الأشجار والأحجار
يأتي طائر ويصحّح الأسماء
يأتي طائر يضع النقط فوق الحروف
ومن سقط هو ليس أول من سقط
كم من أصابع هذه الأشجار
كم ورق سقط.
يأتي هديل الأرض مطبعة تدور
الأُمَّ تطبَعُ طفلهَا
والأرضُ تطبعُ ظلَّهَا
والبحرُ يطبعُ موجَهُ
والشّمسُ من جُرحٍ إلى جُرْحٍ
توزّعُ حِبْرًها وحليبَها
والشّمسُ إمرأةٌ على أشلاء متراسٍ تَلِدْ
ياَ أَيُّها الوجهُ الذِي يطفو على وجهي ابتَعِدْ
واتْرُكْ على الأمواجِ لِي سكِّينَ ماءْ
سأعيدُ هذا الوجهَ للأمواجِ تغسلهُ
إلى الجلاّدِ يغسلُهُ ويُسكنُهُ
فَحِينَ سَكَنْتُمُ وَجْهِي
تَغَيَّرَ لَمْ يَعُدْ وجهي
وصوتي لم يعد صوتي
تعالوا أيها الشهداء
يا وجهي ويا صوتي
تَعاَلَوْا قَدْ طَبَخْتُ لَكُمْ أَكاليلَ الزُّهورِ
عجنتُهاَ بالمُلصَقاتِ
سَكبْتُ فيهاَ ماَ كَتبْناَ منْ قصائدْ
ماَ كتبْناَ قدْ دَفَنَّا ماَ زَرَعَنْاَ قدْ حَصَدْناَ
آهِ ضَيِّقَةٌ قُبُورُكُمْ
وَأَرْضُ اللّهِ ضَيِّقَةٌ
تَعاَلوْا في الهواءِ الطّلْقِ
نَسْأَلْ عَنْ أَياديناَ
نُفتِّشُ في جُيوبِ اللّهِ عَنْ حجرٍ وعنْ خَنْدَقْ
وَفَتَّشْناَ جُيوبَ اللّهْ
ماَذا في جيوبِ اللّه؟
غيرُ البحرِ والزّورقْ
وغيرُ الصَّمْغِ والمُلْصَقْ
هي الأمواجُ قدْ طبختْ
وقدْ عُجِنَتْ وقدْ خُبِزَتْ
هي الطّاحونُ والزَّبَدُ
وشلاَّلٌ هو الزَّرَدُ
جرادٌ ما لهُ عددُ
هو السَّفرُ ولاَ سفرُ
على أكتافنا الخصيانُ قدْ باضوا
وقدْ فَقَسُوا
لَعِبْنَا لُعْبَةَ الشُّطْرَنْجِ
حُوصِرْنَا وَدافَعْنَا
ذُبِحْنَا من أصابِعِناَ وَدَافَعْناَ
وضَاقَتْ رُقْعَةُ الشَّطْرنْجِ
والمَلْعَبْ وَشَاهٌ خَلْفَهُ الشّاهاتُ
تُعْطِيهِ عَساَكِرَها لِكي يَلْعَبْ
وَكيْ يَغْلِبْ وَكيْ يَبْقَى
لهُ المَلْعَبْ أَكانَ الشّاَهُ والشّاهاتُ فيناَ في أصابِعِناَ ولمْ
نَعْرِفْ؟
أَحقّاً لم نكنْ نعرِفْ؟
وَكَمْ شَاهٍ أقامَ على أصابِعِناَ
أَقامَ هناكَ في فندقْ
أقام هناك في خنْدقْ
أقام ولم نكن نعرِفْ؟
أَحقّاً لم نكن نعرِفْ؟
يَنامُ الذِّئبُ ذُو الأجْراسِ في المِرْآة في وجْهي ولاَ أَعْرِفْ؟
أحقّاً نحنُ لمْ نعَِْرفْ؟
أحقّاً نحنُ في عَمَّانَ لم نعرِفْ؟
وفي بيروت لم نعرِفْ؟
فهلْ نعرِفْ؟
ونحنُ الآنَ بين أصابعِ الحيتان هلْ نعرِفْ؟
مَطَرٌ بلونِ اللّيلِ تذكرُ شاَطِئاً
مَطَرٌ بلونِ الرّملِ تذْكُرُ شاطئاً ومَوانِئاً
مَطَرٌ بلونِ الرّيحِ تذكرُ شاَطئاً وموانئاَ ومراكباَ
قِطَطٌ من المَرْجانِ تَملأُ حُجْرتي
شُعَلُ المَطَرْ
مَطَرٌ مَطَرْ
مَطَرٌ بلوني
أيُّ لونٍ لي سِوَى لونِ المَطَرْ؟
سَفَرٌ سَفَرْ ... سَفَرٌ سَفَرْ
قد كان إسمكَ ياَ حبيبي في فم السجَّانِ أجملْ
قد كان وجهكَ ياَ حبيبي في يد الجلادِ أجملْ
قد كنت أجملَ ياَ حبيبي كنت أجمل
مَطَر غزالُ اللّيلِ أكْحلْ
مَطَرٌ بِلَوْنِ قُبوركُمْ
مَطَرٌ بِلَوْنِ عُيُونِكُمْ
مَطَرٌ بِلَوْنِ وجوهِكُمْ
أَناَ أَيْنَ أحمِلُكُمْ مَعِي؟
وحقيبتي هي موجةٌ علَّقتُ فِيهاَ أَضْلُعِي
أَناَ لسْتُ أعْرِفُ وسْطَ هذا البَلْقَعِ
مَنْ مَنْ عَلَيَّ من الذِّئَابِ وَمنْ مَعِي؟
أناَ مُنْذُ غاَبتْ عنْ يديَّ عيُونُكُمْ
ورَكِبْتُ قَبْراً آخَراَ
أَصْبَحْتُ شَيْئاً آخَراَ
الآنَ كيفَ أَعودُ أزْرَعُكُمْ سَراباً آخراَ
مطرٌ يُكوِّمُ ماءهُ تَلاًّ
ويَزْرَعُ فَوْقَهُ نَخْلاً
وَيعطي للخناجرِ ذاكِرَهْ
هذا العَشَاءُ هو الأخيرُ على موائِدِكُم
تعبتُ من موائِدِكُمْ
تعبتُ من العناكِبِ في قميصي
والفراشةُ فوقَ كَفّي لم تلِدْ غيرَ الزّبَدْ
نافورةٌ والماءُ خيطُ العنْكَبوتْ؟
ياَ مَنْ يَموتُ ولاَ يَموتْ
هذا العشاءُ هو الأخيرُ على موائدِكُمْ
وهذا الدِّيكُ ذو الوجْهيْنِ شاَهِدْ
إنِّي أناَ الزّاني أَنا الجاني
وكلُّكُمُ ملاَئِكةٌ وكُلُّكُمْ قَصائِدْ
هذا العشاءُ هو الأَخيرُ على موائدِكُمْ
وإنِّي الآنْ الآنَ أعرِف آكِلي لحْمَ الخُيولِ الميِّتهْ
لَحْمَ المَراياَ الميِّتَهْ
لَحْمَ الرِّياحِ الميِّتَهْ
هذا العشاءُ هو الأخيرُ على موائدِكُمْ
فمنذُ الآنَ سوفَ أكونُ وجْهِي
لم تكن عذراءَ نخلَتُكُمْ
ولاَ عذراءَ مَرْيَمُكُمْ
فلاَ بيضاً صنائِعُكُمْ
ولاَ خُضراً مَراَبِعُكُمْ
ولاَ سوداً مواقِعُكُمْ
ولاَ حُمراً مَواضِيكُمْ
أَلاَ تَبَّتْ أَياَدِيكُمْ
أَلاَ تَبَّتْ أَياَدِيكُمْ
وداعاً ياَ ليالي الكَرْنَفَالْ
مَطَرٌ بِلَونِ الكَرْنَفالْ
سَفَرٌ بِلَونِ الكَرْنَفالْ
مَوْتٌ بِلَونِ الكَرْنَفالْ
النّارُ شَبَّتْ في النَّسِيمِ الأَخْضّرِ العَرْياَنِ
وانْفَجَرَ الشِّراعْ
كانَ الشِّراعُ هو القناعْ
سقطَ الشّراعُ على الشّراعْ
سقطَ القناعُ على القناعْ
عارٍ كَنَهْرٍ ضفّتاهُ يَداكَ
وانْفجرتْ يداكْ
طارتْ أصابِعُناَ سنابلْ
جمِّعيها مرّة أُخرى بكَفِّي
جمِّعيها كيَّ أُقاتِلْ
ما الذِي أَبْقاكَ حيّاً
كيْ تَرى ذَبْحَ الوُعُولْ على الوُحولْ؟
سَفَرٌ يَطولْ
سَفَرٌ سَفَرٌ
سَفَرٌ الفراشةِ للقَمَرْ
سَفرُ السَّفينةِ في الحجرْ
سَفَرُ الثَّعالِبِ في عناقيدِ الدَّمِ
سفر المراكِبِ شبّتِ النِّيرانُ فيهاَ من يديَّ إلى فَمِي
يأْتي الرَّصاصُ إِليْكَ من كلِّ الرِّياَحِ الأَرْبَعُ
يأْتِي الرَّصاَصُ إِليْكَ
منْ كُلِّ الشَّباَبيكِ التّي فُتِحَتْ على كلِّ الرِّياَحِ
الأَرْبَعِ
كُلُّ الجِهاَتِ الأَرْبَعِ الآنَ تَعْرِفُهُمْ
وَتَعْرِفُ أنَّ خيطَ مُعاَوِيَهْ
هوَّ حبْلُ مشْنَقةٍ بكَفِّ مُعاَوِيَهْ
الآنَ تَعْرِفُهُمْ
وتعرِفُ أَنَّ أَطْفاَلَ المَداَرِسِ وَحْدَهُمْ في بِئْرِ زَيْتٍ
وَحْدَهُمْ في قَرْيَةٍ مَنْسِيَّةٍ
كُلُّ العَربْ الآنَ تعْرِفُ أَنَّ شَوْكَ الكَفِّ شَيْءٌ غَيْرَ
عُشْبِ الأَرْضِ
تعْرِفُ أَنَّ غَزَّةَ غَيْرَ أَشْباَحِ المُدُنْ
الآنَ تعْرِفُ أنَّ شُبّاَكاً
صغيراً منْ تُرابِ الأَرْضِ مفْتوحاً لوجْهِكَ
وحْدَهُ سَتُطِلُّ منه على الوَطَنْ
الآنَ تَعْرِفُ أنَّ للسِكِّينِ فُرْصَتَهَا وَصورتَهَا
وللقُرْباَنِ فُرْصَتُهُ وصُورَتُهُ
الآنَ تَعْرِفُ أنَّ منْشوراً بِحجمِ الكفِّ
مكْتوباً بِرمشِ العينِ في ناَبُلْسَ
أَبْقَى منْ جَراَئِدِهِمْ مُطَرَّزَةٍ بِأَسْلاَكِ الذَّهَبْ
الآنَ تعرِفُ أنَّ هذا الصَّمْتَ ذاَ الأَشْواَكِ مِنْ شِيَمِ
العَرَبْ
الآنَ تعرِفُ أنَّ صَمْتَكَ لمْ يَكنْ ذَهَباَ وَلاَ خَشَباَ
وَأَنَّكَ حينَ تَصْمُتُ يَصْعدوُنَ إِلى فَمِكْ
أَبَدأْتَ تُحصي أضْلُعَكَ؟
كمْ مِنْ ضُلوعِكَ والحصارُ يضيقُ قد وقَفَتْ مَعَكْ؟
الآنَ تَعرِفُ أَنَّ للدَّوراَنِ قاَنوناً
كَماَ للقَمْحِ طاَحُوناً
وَتعْرِفُ أنَّ قَمْحَهُمُ ذُباَبْ
وأنَّ خُبْزَهُمُ سَراَبْ
الآنَ تَعْرِفُ أَنَّ كَفّاً صَافَحوكَ وَباَيَعوكَ ِبهَا
أصاَبِعُهاَ مَساَميرُ الصّليبْ
النّحْلُ ملءُ الأَصْلُع
ِتَأْتِي إِليكَ النَّارُ منْ كُلِّ الجِهاتِ الأَرْبَعِ
تَأْتي إِليَّ النّاَرُ
هَلْ هذا الذِي في جَوْرَبِ الجَلاَّدِ
جِلْدُ مُخَيَّمِ اليَرْمُوكِ
صاَرَ قَمِيصُهُ أَهْدى مُسَدَّسهُ لأَوْراَقِي؟
وكنْتُ أَظُنُّهُ حِبْراَ فَكاَنَ الوَحْلَ في وجْهِ القَصيدَهْ؟
تأتي إِليَّ النّاَرُ
هلْ هذا الذِي في خُوذَةِ الجَلاَّدِ
يَسْلَقُ رَأْسَ طِفْلِي
كاَنَ في يومٍ أَباً مِثْلِي؟
وكاَنَ يَقُولُ إِنَّ اللّه أفقرُ شاَعِرِ في الأَرْضِ
هلْ هذا الذِي في خُوذَةِ الجَلاَّدِ يَسْلَقُ ثَدْيَ أُمِّي
يَعْرِفُ الفُقَراَءَ والشُّعَراءَ
يختصر الخَناَجِرَ كُلَّها َفي وَجْهِ أُمِّهْ؟
تَأْتِي إِليَّ النَّارُ
هلْ هذا الذِي ذَبَحوهُ مِنْ سَاقيهِ يَنْهَضُ منْ دمي
يَمْشي إِليَّ عصاهُ شِرْياَني وساَقِي بُنْدُقِيَّهْ؟
أَيُّهاَ الوجْهُ المكرّرْ
أنتَ لاَ تحتلُّ وجْهي إنّما تحتلُّ قبرَكْ
يَسْقطُ الآنَ قرابينُ منَ الماَءِ المطرْ
يسقطُ الآنَ سكاكينُ من الماءِ المطرْ
أنتِ تزْدادينَ عُرْياً
وأنا أزدادُ عُرْياً في المَطَرْ
يبدأُ الآنَ السَفَرْ
سَفَرٌ سَفَرْ .
آهِ ياَ مرْكبِ نوحِ
لستَ نوحاً يجمعُ العَنقاءَ والحرْباءَ في كأسٍ ودَرْب
كُلَّ ماَ هَبَّ ودَبّ
فكفى ما رقصَ الرّاقِصُ في الثّورةِ
رقص – الْهولاهوبْ
يَدُهُ في كلِّ جُرْحٍ
فمُهُ في كلِّ جيبْ
وكفى ما عانتِ المَرْكَبُ
منْ شدٍّ وجذْبْ
وكفى أشرِعةُ المرْكبِ حرْقاً بعدَ صلْبْ
ليسَ كلبُ البحرِ بحّاراً
تَعبناَ منْ كِلاَبِ البحْرِ فوقَ الأشْرِعهْ
منْ كِلاَبِ البحْرِ تحتَ الأشْرِعهْ
منْ رُقادِ الضَّبْعِ في جُرْحِ النَّخِيلْ
ما تبقّى معكَ الآنَ هوَّ الكلُّ القليلْ
ما تبقّى معك الآنَ هوَّ الزِّلْزاَلُ ذو الظلِّ الظّليلْ
ما تبقّى معك الآنَ هيَّ الأرضُ التي أعطتكَ إسْماَ
ما تبقّى معك الآنَ هيَّ الكفُّ التي ترسُمُ في النِّيرانِ شُبّاَكاً
ونجماَ
ما تبقّى معك الآنَ هوَّ الجُرْحُ الذِي أبقاكَ حَيّاَ
ما تبقّى منْهُمُ؟
هَلْ صَحَّحوا الشُبَّاكَ قدْ ماَلَ قَليلاً أوْ كَثيراً
حينماَ هَدُّوا المُخَيَّمْ؟
ما تبقّى منهُمُ
هلْ صحَّحوا الأَشْجاَرَ
قدْ مَالتْ شَماَلاً أو جَنوباَ
حينماَ اغتالوا عليْهاَ كُلَّ بُرْعُمْ؟
ماَ تبقّى منهُمُ هلْ صحّحوا الأوراقَ والأخْطاءَ
من قد صحّح الأوراق والأخطاء
دبّابةُ مأجورٍ مُؤَجَّرْ؟
ماَ تبقّى منهُمُ هلْ صحّحوا عُنْقَ الفَلَسْطِينِييِّ إذْ مالَ بِخِنْجَرْ؟
أَيُّها الوجْهُ المُكَرَّرْ
أَنْتَ لَنْ تَحْتَلَّ ظِلاًّ
أَنْتَ لَنْ تَحْتَل طِفْلاَ
أَنْتَ لَنْ تَحْتَل وجْهِي
إِنّما تحْتلُّ قبرَكْ
ما طَراَبُلْسُ البدايَهْ
ما طَراَبُلْسُ النهاية
إنّها أوَّلُ أَيَّامِ السَفَرْ
سَفَرٌ سَفَرْ
طالَ السَفَرْ
عاشَ السَفَرْ
سَفَرٌ سَفَرْ..
-------
No comments:
Post a Comment